"كلنا سنموت، ولكن هناك فرقا بين شخص يموت وينتهي وشخص مثلي يموت ولكن يظل حيا بسيرته وتاريخه" بهذه الجملة لخصت الصحفية والممثلة روز اليوسف تجربتها في الحياة، فهذه السيدة تمكنت من صنع تاريخ لها من المحن والأزمات التي مرت بها، ودخلت مجال الصحافة والسياسة من الفن لتؤسس مجلة باسمها تصبح واحدة من أشهر المجلات السياسية الأسبوعية.
حياة روز اليوسف ونشأته
فاطمة اليوسف هي ممثلة وصحفية لبنانية من أصل تركي تعد واحدة من أشهر أسماء الفن والصحافة والسياسية في النصف الأول من القرن العشرين في مصر.
عاشت فاطمة طفولة قاسية، فقد ولدت يتيمة الأم، حيث توفيت والدتها عقب ولادتها مباشرة، ووالدها كان تجارًا يتنقل بين بيروت وتركيا، وقرر تركها عند عائلة لبنانية مسيحية، وانقطعت عنه الأخبار بعد ذلك.
قررت العائلة اللبنانية تبني فاطمة وغيرت اسمها إلى "روز" وتكفلت برعايتها وتربيتها، ولم تكن تعرف شيئًا عن أصولها ودينها حتى سن العاشرة من عمرها.
وافقت الأسرة اللبنانية أن تسافر روز مع شخص من العائلة إلى البرازيل، وحينها أخبرتها المربية عن حقيقتها، وبأن أهلها مسلمون وأن اسمها فاطمة.
قررت فاطمة بعد أن عرفت حقيقتها ألا تكمل رحلتها، وذهبت إلى مصر وتبناها إسكندر فرح، وكانت تبلغ من العمر 14 عامًا.
وفي مصر اكتشفت روز ولعها بالمسرح والفن، واكتشفها المخرج عزيز عيد وأسند لها العديد من الأدوار المسرحية، لتقدم أول دور مسرحي لها وعمرها 16 عامًا فقط، وكان ذلك قبل الحرب العالمية الأولى.
تزوجت روز 3 مرات، المرة الأولى من المهندس محمد عبد القدوس، وأنجبت منه ابنها الروائي إحسان عبد القدوس، ثم انفصلت عنه وتزوجت من المسرحي زكي طليمات وظلت معه 20 عامًا، وأنجبت منه ابنتها آمال.
بعد وفاة زكي طليمات تزوجت من المحامي قاسم أمين وظلت معه حتى وفاتها في شهر أبريل عام 1957.
مشوارها الفني
بدأت روز اليوسف حياتها الفنية تحت رعاية المخرج عزيز عيد، وقدمت أول دور مسرحي لها وعمرها 16 عامًا في مسرحية "عواطف الأبناء" والطريف في الأول أنها مثلت دور جدة في هذه المسرحية مع أنها لا تزال مراهقة، وكان ذلك قبل الحرب العالمية الأولى.
من عزيز عيد إلى جورج أبيض حيث شاركت معه في عدة مسرحيات، ثم انتقلت بعد ذلك إلى أمين الريحاني، وحققت شهرة واسعة بعد أن قدمت بطولة أوبرتي "العشرة الطيبة" من ألحان سيد دوريش، وإخراج عزيز عيد.
انتقلت روز بعد ذلك للعمل مع الفنان يوسف وهبي، وحققت مزيدًا من الشهرة وسرعان ما أصبحت بطلة فرقته "رمسيس" الفنية ورافقت الفرقة من نجاح إلى نجاح.
لم يستمر النجاح كثيرًا، حيث بدأ مشروع الفرقة يتدهور شيئًا فشئيًا، ودب الخلاف بينهما، حيث رفضت العمل معه بسبب عدم اعتماد يوسف وهبي للجودة في إحدى المسرحيات رغبة في زيادة نسبة الجماهير.
انتهت قصتها مع التمثيل بخلافها مع يوسف وهبي، وفي هذا الوقت قررت أن تؤسس مجلة تدافع فيها عن الفن، ففي هذا الوقت كانت العديد من المجلات والصحف تهاجم الفن، ورغبت في الدفاع عنه.
روز اليوسف من التمثيل إلى الصحافة
قررت روز الاتجاه إلى الصحافة رغبة منها في الدفاع عن الفن، ومن المثير للانتباه أنها في هذا الوقت كانت تفك الخط بصعوبة لأنها لم تدرس في مدارس، ولكن بإصرار وعزيمة تمكن من إصدار مجلة على نفقتها الشخصية وتكلف إصدارها 12 جنيهًا.
على الرغم من عدم وجود أي خبرات في مجال الصحافة تمكنت مجلتها من تحقيق شهرة واسعة، فبذكاء وفطنة قررت اختيار اسمها اسمًا لمجلتها؛ لأنها في ذلك الوقت كانت فنانة مشهورة.
فبهذه الحركة الذكية تمكنت روز من جذب أكبر عدد من القراء لمجلتها، وبالفعل نفد العدد الأول من المجلة بالكامل الذي بلغ 3 آلاف نسخة، وتعد روز أول من أطلق اسمها على مجلة أو صحيفة في مصر.
صدر العدد الأول من مجلتها عام 1925 وكان رئيس التحرير وقتها الصحفي الكبير محمد التابعي مؤسس الصحافة الحديثة، وقبل أن يتولى هذا المنصب كان يكتب مقالات نقدية فنية.
بعد 3 سنوات من تأسيس الحزب أصبحت المجلة تركز على الجوانب الأخرى في المجتمع وخاصة السياسية منها، وشغل روز منصب رئيس مجلس إدارة المجلة حتى وفاتها.
اتجهت المجلة في بدايتها إلى تأييد حزب الوفد، ولكن كان تأييدها للحزب ناقدًا ومحدودًا للغاية، وسرعان ما بدأت معركة بينها وبين ورثة سعد زغلول في ذلك الحزب، ولا سيما مكرم عبيد، ومصطفى النحاس.
لم تكن روز وحدها في هذه المعركة، إذ وقف معها عباس محمود العقاد، ومحمود عزمي اللذان كتبا مقالات عنيفة تدين حزب الوفد والحكومة، فما كان من حزب الوفد إلا أن جمع أنصار وهاجم مبنى المجلة، ورمى المتظاهرون المبنى بالحجارة.
بسبب حربها على الحزب والحكومة تعرضت لخسائر مالية ضخمة بسبب مقاطعة الحكومة لها، فعانت من الإفلاس وأودعت إلى السجن، ولكنها خرجت بتصميم وعزيمة أكبر، وبدأت معركة صحافية وسياسية جديدة ضد الوفد، والإنجليز، والقصر.
أصبحت بعدها مجلة روز اليوسف مدرسة في الوطنية، وكتب فيها صحفيون كبار، وصدرت مقالات لكشف فضائح الحكومة وفسادها، وأشهرها فضيحة الأسلحة الفاسدة التي أطلقت شرارة ثورة 1952.
من أبرز الصحفيين الذين كتبوا في الصحيفة مصطفى أمين، وعلي أمين، ومصطفى محمود، ويوسف إدريس، وصلاح حافظ، ومحمد حسنين هيكل، وأحمد بهاء الدين، وفتحي غانم، وغيرهم، ونجيب محفوظ الذي كان لا يزال شابًا يدرس في عامه الأول بكلية الآداب.
في عام 1953 أصدرت روز الكتاب الذهبي وطبعت العديد من الأعمال الأدبية منها مجموعة "أرخص ليالي" ليوسف إدريس، وهي أول مجموعة قصصية له وصدرت عام 1954.
على الرغم من أن مؤسسة هذه المجلة سيدة إلا أن المجلة خلت من الدور النسائي في وقت كان عمل الصحافة حكرًا على الرجال.
قامت روز بالعديد من القرارات الجريئة في حياتها، ومنها أنها عينت ابنها إحسان عبد القدوس رئيس تحرير للمجلة وعمره 25 عامًا بعد تخرجه في كلية الحقوق، حيث رأت فيه موهبة الكتابة رغم صغر سنه.
