أجمل ما قيل في الدنيا من الشعر

أفضل شعر عن الدنيا

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: السبت، 23 ديسمبر 2023

تشغل الدُّنيا وأحوالها بال الناس، فتراهم يفكرون بها ويقلبون ظروفها حتَّى يصلوا معها إلى معناها وحقيقتها، وهذا هو حال الشعراء الذين كتبوا آلاف الأبيات والقصائد عن الدُّنيا، واصفين سعادتها وبؤسها، بياضها وسوادها.

سنتعرف وإياكم من خلال هذه المادة إلى أجمل ما قاله الشعراء في الدُّنيا على اختلاف آرائهم ومشاربهم، وأزمنتهم.

 

للدُّنيا عند أبي العتاهية معانٍ مختلفة فقد جرب حلوها وزهد بها

عاش أبو العتاهية في العصر العباسي وعاصر الخليفة هارون الرشيد، كان ميَّالاً إلى ملذات الحياة من مجون ولهو، لكنه انقلب فيما بعد على دنياهُ فزهد بما فيها، وهجر شعر المديح والغزل إلى شعر الزهد، كما يمكنكم التعرف أكثر على حياة أبي العتاهية وشعره من خلال هذا الرابط.

ومما قاله أبو العتاهية في الدُّنيا:

أرَى الدًّنيا لمَنْ هيَ في يديْهِ، عَذاباً كُلَّما كثُرتْ لديْهِ

تُهينُ المُكْرِمينَ لَها بِصُغْرٍ، وتُكْرِمُ كُلَّ مَنْ هَانتْ عَليهِ

إذا استَغنيتَ عن شيءٍ فدَعهُ، وخُذْ ما أنتَ مُحتاجٌ إليهِ

ويقدم أبو العتاهية نصيحة مجرِّب للدُّنيا قد تاب عمَّا فيها طمعاً بالذي يليها:

لعَمرُكَ ما الدُّنيا بِدارِ بقاءِ، كفاكَ بِدارِ الموتِ دارَ فَنَاءِ

فلا تَعشقِ الدُّنيا أخي فإنَّما يُرَى عَاشِقُ الدُّنيا بجُهدِ بَلاَءِ

حلاوتُها ممزوجَةٌ بمرارةٍ، ورَاحتُها ممزوجَةٌ بعَناءِ

فلا تَمشِ يوماً في ثِيابِ مَخيلَةٍ؛ فإنَّكَ مِن طِينٍ خُلقْتَ وماءِ

ولله نَعْمَاءٌ عَلَينا عَظيمَةٌ، وللهِ إحسانٌ وفضلُ عطاءِ

ومَا الدَّهرُ يوماً واحداً في اختِلافهِ، ومَا كلُّ أيَّامِ الفتى بسَوَاءِ

ومَا هو إلَّا يومُ بؤسٍ وشدةٍ، ويومُ سُرورٍ مرَّةً ورخاءِ

وما كلُّ ما لم أرْجُ أُحرَمُ نَفْعَهُ، وما كلُّ ما أرْجوهُ أهلُ رَجاءِ

أزورُ قُبورَ المترفينَ فلا أرَى بَهاءً، وكانوا قَبلُ أهل بهاءِ

وكلُّ زَمانٍ واصِلٌ بصريمَةٍ وكلُّ زمانٍ مُلطَفٌ بجَفَاءِ

وعن حرص الإنسان على الدُّنيا يقول أبو العتاهية:

كلٌّ علَى الدُّنيَا لَهُ حِرصُ والحَادثاتُ أناتُهَا غفصُ (غفص: على حين غرَّة)

تبغي مِنَ الدُّنيا زيادتها وزيادَتي فيها هيَ النَّقصُ

وكأنَّ مَنْ واروهُ فِي جدثٍ لمْ يبدُ منهُ لناظرٍ شخصُ

ليَدِ المنيِّةِ في تلطُّفِهَا عن ذُخْرِ كلِّ شَفيقَةٍ فحصُ

أبيات عن الدُّنيا للشاعر ابن الرومي

هو أبو الحسن بن علي بن العباس بن جريج الملقب بابن الرومي، من شعراء العصر العباسي في بغداد ويعتبر من فحولهم، وله ديوانُ شعرٍ باسمه.

لم يكن ابن الرومي جيد الحظ في حياته فقد واجه الكثير من المتاعب والصعاب، وربما هذا ما طور آراءه عن الدُّنيا وأمورها فأفرد مساحة من شعره ليعبر عن حكمته في الدُّنيا.

ومن بديع ما قاله ابن الرومي في الدنيا مُفسِّراً بكاء الطفل عند الميلاد وهو ينتقل من الضيق إلى الرحب:

لما تؤذن الدُّنيا بِهِ مِن شُرورِها يكونُ بُكاءُ الطِّفلِ سَاعةَ يُوضعُ

وإلَّا فَما يُبكيه مِنها وإنَّها لأَفسحُ مِما كانَ فِيه وأوسَعُ

إذا أبصر الدُّنيا استهلَّ كأنَّه يَرى ما سَيلقَى مِن أذاهَا ويَسمَعُ

كأنّي إذا استهلَلتُ بين قوابلي بدا ليَ مَا ألقَى بِبابكِ أجمعُ

وفي بَعضِ أحوالِ النُّفوسِ كأنَّها تَرى خَلفَ سِتر الغَيب ما تَتوقَّع

ويتوافق رأي ابن الرومي مع رأي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومع قول أبو العتاهية بأنَّ الدنيا ليست مكان بقاء؛ فيقول ابن الرومي:

لَعَمْرُك ما الدُّنيا بِدَارِ إقامةٍ إذا زالَ عن عينِ البَصيرِ غِطَاؤها

وكيفَ بَقاءُ النَّاسِ فيها وإنَّما يُنالُ بأسبابِ الفَناءِ بَقاؤها

وأداة معرفة الدُّنيا عند ابن الرومي هي امتحانها وامتحان أهلها:

إذا امتحَنَ الدُّنيا لَبيبٌ تكشَّفتْ لهُ عَن عَدوًّ في ثيابِ صَديقِ

عليكَ بدارٍ لا يَزول ظِلالُها ولا يَتأذَّى أهلُها بَمضيقِ

الدُّنيا في عيون الشاعر أبو العلاء المعري

هو أبو العلاء عبد الله بن سلمان التنوخي المعري، من شعراء سوريا في القرن العاشر الميلادي وصاحب الرسالة المعروفة باسم رسالة الغفران، كان أبو العلاء ضريراً حيث فقد بصره وهو طفل صغير.

لكنَّ بصيرته كانت نافذة متقدة، فتميز بين معاصريه وحُفظ أثره حتَّى يومنا هذا، يمكنكم زيارة هذا الرابط للاطلاع أكثر على حياة أبي العلاء المعري وشعره.

ومن أقوال المعري في الدُّنيا:

أصاح؛ هي الدُّنيا تُشابهُ مَيتةً ونحنُ حواليها الكلابُ النَّوابحُ

فمن ظلَّ مِنها آكلاً فهو خاسرٌ، ومَن عَادَ عَنها ساغباً فهو رَابحُ

وفي لوم الدُّنيا على الرغم من حيادها يقول المعري للناقمين على الدُّنيا:

نَقِمتَ عَلى الدُّنيا ولا ذَنبَ أسْلَفتْ إليكَ، فأنْتَ الظَّالمُ المُتكذِّبُ

وهَبْها فَتاةً هل عليها جنايةٌ بمَن هو صَبٌّ في هواها مُعذَّبُ؟

وقَدْ زَعِموا هَذي النُّفوسَ بَواقياً تَشكَّلُ في أجسَامِها وتَهذَّبُ

وتُنقَلُ مِنها، فالسَّعيدُ مًكرَّمٌ بما هو لاقٍ والشَّقيُّ مُشذَّبُ

وما كُنْتَ في أيام عَيشِكَ مُنْصَفاً ولكن مُعَنّى في حِبالِكَ تُجذَبُ

أبيات عن الدُّنيا للشاعر حسن بن علي بن جابر الهبل

هو حسن بن علي بن جابر الهبل اليمني، لقِّب بأمير شعراء اليمن، عاش في القرن السابع عشر الميلادي وتوفي بمدينة صنعاء في الثلاثين من عمره، لكنه أنتج خلال عمره القصير ديوان شعر، وقد تميز شعره برقته وجودته حتَّى تفوق على شعراء عصره.

ولـ "الهبل" في الدنيا وأحوالها قصيدة تنتمي إلى قصائد الحكمة، يقول فيها:

هِي الدُّنيا وأنتَ بِها خَبيرُ فكمْ هَذا التَجافِي والغُرورُ

تُدلِّي أهْلَها بحبالِ غَدرٍ فكُلٌّ في حبائِلِها أسيرُ

إلى كَمْ أنتَ مُرتكنٌ إليها تَلذُّ لكَ المنازلُ والقُصُورُ

وتَضحكُ ملءَ فيكَ ولَستَ تَدرِي بِما يَأتِي بِهِ اليومُ العَسيرُ

وتُصبحُ لاهياً في خَفض عيشٍ تحفُ بِكَ الأماني والسُّرورُ

وعمركَ كلَّ يومٍ في انتقاصٍ تسيرُ به الليالي والشُّهورُ

وأنتَ على شَفا النِّيرانِ إنْ لمْ يغثْكَ بعفوهِ الربُّ الغَفورُ

تَنَبَّه وَيكَ مِن سنَّةِ التَجافِي ولا تَغفل فقدْ جاءَ النَّذيرُ (ويك: ويحك)

وشمِّر للترحُّلِ باجتهادٍ فقدْ أزفَّ الترحُّلُ والمسِيرُ

وخُذْ حِصناً مِن التَّقوى ليومٍ يقلُّ به المُدافعُ والنَّصيرُ

ولا تغترَّ بالدُّنيا وحاذِر فقدْ أودى بِها بَشرٌ كثيرُ

فكمْ سَارتْ عَليها مِن ملوكٍ كأنَّهم عَليها لَمْ يَسيروا

وكمْ شَادوا قُصوراً عَالياتٍ فهلْ وسِعتهم إلَّا القُبورُ

فهل يَغترُ بالدُّنيا لبيبٌ وهل يصبو إلى الدُّنيا بَصيرُ

يلوم الشاعر الهبل نفسه على تعلقه بالدُّنيا وعلى ذنوبه فيلجأ إلى خالقه عزَّ وجل مستغفراً مستجيراً:

وكَمْ خَلفَ السُّتورِ جَنيتُ ذَنباً وربُّ العرشِ مُطلعٌ خَبيرُ

وما تُغني السُّتورُ وليسَ يَخفَى عَليهِ ما تواريِهِ السُّتورُ

إلامَ والاغترار بِمن إليهِ لعَمري كلُّ كائنةٍ تَصيرُ

ومالي لا أخافُ عَذابَ يومٍ تَضيقُ بِهِ الحَناجِرُ والصُّدورُ

وأتركُ كُلَّ ذَنبٍ خَوفَ نارٍ بخَالِقِها أعوذُ وأستَجيرُ

ولي فِيهِ تَعالى حُسنُ ظَنٍ وذَنبي عِندَ رَحمتِه يَسيرُ

تعالى عَن عَظيمِ الشُّكرِ قدراً فما مِقدارُ ما يُثني الشَّكورُ

عَصَيتُ وتُبتُ مِن ذَنبي وإنِّي إلى الغُّفرانِ مُحتاجٌ فَقيرُ

فإنْ تَغفرُ ففضلاً أو تُعاقبُ فَعدلاً أيُّها العّدلُ القَديرُ

وتعتبر أحوال الدُّنيا وتقلباتها من أغنى موضوعات شعر الحكمة

إلى جانب ما ذكرناه من أقوال وأبيات عن الدُّنيا في عيون الشعراء ما يزال ديوان العرب حافلاً بآلاف الأبيات التي تناولت الدُّنيا وأمورها، بقاءها وفناءها، فهذا الموضوع يعتبر من أغنى مواضيع الشعر العربي مثله مثل المديح والغزل والرثاء ...إلخ؛ سنستعرض وإياكم أقوال شعراء آخرين عن الدُّنيا.

حيث يقول أبو الطيب المتنبي عن تقلبات الدُّنيا:

نَبْكي على الدُّنْيا ومَا مِن معشَرٍ جمعتهمُ الدُّنيا فلَمْ يتفرَّقُوا

أينَ الأكاسِرَةُ الجَبابِرةُ الأُلى كَنَزُوا الكنُوزَ فَما بَقينَ وَلا بَقوا

مِن كُلِّ مَن ضاقَ الفَضاءُ بجيْشِهِ حتى ثَوَى فَحَواهُ لَحدٌ ضَيّقُ

خُرسٌ إذا نُودوا كَأنْ لَمْ يعلمُوا أنَّ الكلامَ لهمْ حَلالٌ مُطلَقُ

فالموْتُ آتٍ والنُّفوسُ نَفائِسٌ والمُسْتَعِزُّ بما لديهِ الأحمَقُ

والمرءُ يأمُلُ والحياةُ شهِيَّةٌ والشَّيْبُ أوقَرُ والشَّبيبَةُ أنْزَقُ

ويقول ابن نباتة المصري متعجباً من أحوال هذه الدُّنيا:

عَجِبتُ مِن الدُّنيا التي جَلَّ خَطبُها وحَارتْ قلوبٌ عِندها وفُهومُ

فيا ليتها إذْ لا تَدومُ تطيبُ أو فيا ليتها إذْ لا تَطيبُ تَدومُ

كما يتفكر ابن عبد ربه في هذه الدُّنيا فلا يراها إلا مناماً وحلماً:

ألا إنَّما الدُّنيا كَأحلامِ نَائمٍ وما خيرُ عيشٍ لا يَكونُ بدائمِ

تأمَّلْ إذا ما نِلتَ بالأمسِ لذَّةً فأفنَيْتَها، هل أنتَ إلا كَحالِمِ

وما الموتُ إلا شَاهدٌ مِثلُ غَائبٍ وما النَّاسُ إلا جاهلٌ مثلُ عَالمِ

ولابن عبد ربه أيضاً قوله:

جَادتْ لكَ الدُّنيا بنعمَةِ عيشِها وكَفاكَ مِنها مثلُ زادِ الراكِبِ

وفي تأملات بديع الزمن الهمذاني:

إذا الدُّنيا تأمَّلها حَكيمٌ تبيَّنَ أنَّ معناهَا عُبورُ

فبينا أنتَ في ظِلِّ الأمانِي بأسَعدِ حالةٍ إذ أنتَ بورُ

أمَّا الدُّنيا عند محي الدين بن عربي فهي في قوله:

أرى نشأةَ الدُّنيا تُشيرُ إلى البَلى بِما حَملتهُ مِن سُرورٍ ومِن أذَى

إذا مَا رأيتُ اللهَ أنشَأَ خَلقهُ مِن أعمالِه فرَّقتُ ما بينَ ذَا وذَا

وللمتبجح في الدُّنيا يقول ابن المعتزِّ:

يا مَن تبجَّحَ في الدُّنيا وزُخرُفِها كُنْ من صُروفِ لياليها على حَذرِ

ولا يغرنَّكَ عَيشٌ إنْ صَفا وعَفا فالمرءُ من غررِ الأيامِ في غررِ

إنَّ الزمانَ إذا جربتَ خلقتهُ مقسمُ الأمرِ بينَ الصفوِ والكدرِ

كَم قد أغارَ قُوى حَبلٍ لغادرِهِ لمَّا أغارَ عليهِ واهيَ المررِ

ختاماً.... كما رأينا؛ فلكل شاعرٍ وجهة نظره في الدنيا وظروفها وصروفها، وتبقى دنيانا هذه رحلة مبهمة يسير فيها كلٌّ على طريقته، وينتهي منها دون إرادة منه ودون أن يعرف إن كان قد عرف سعادة فيها أم أنَّها شقاء بشقاء، وربما يجب أن نفكر بقول إيليا أبو ماضي عن طبيعة الُّدنيا:

خُذْ ما استَطعْتَ من الدُّنيا و أهْليها لكن تَعلَّم قليلاً كيفَ تُعطِيها

كم وردة طِيبها حتَّى لسَارِقها لا دمنةً خبثها حتَّى لسَاقِيها

أكانَ في الكَونِ نُورٌ تَستضِيء بهِ لو السَّماء طوتْ عَنَّا درَارِيها؟

أو كَانَ في الأرضِ أزهارٌ لها أرجُ لو كانتْ الأرضُ لا تُبدي أقَاحِيها؟

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة