الفقيه والإمام محمد عبده

  • بواسطة: بابونج تاريخ النشر: الأحد، 24 نوفمبر 2019 آخر تحديث: الأربعاء، 18 أغسطس 2021
الفقيه والإمام محمد عبده

عاش محمد عبده في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، عاصر الاحتلال العثماني للوطن العربي، تزوج مرتين الأولى في عام 1865، والثانية بعد وفاة زوجته الأولى في عام 1886، له العديد من المؤلفات، ولا يزال اسمه خالداً في التاريخ العربي كأبرز المصلحين في عصر النهضة.. فمن هو محمد عبدو؟ كيف نشأ؟ ماذا تعلم؟ ما أبرز مؤلفاته؟ كيف توفي؟ هذا ما سنجيب عنه في هذه المقالة.

 

طفولة محمد عبده وأسرته

ولد محمد بن عبده بن حسن خير الله في قرية نصر بمركز شبراخيت في محافظة البحيرة المصرية في عام 1849، والده تركي، ذو سمعة حسنة تميز بالإيثار واستعداده لتقديم التضحيات من أجل قضية العدالة والازدهار، والدته مصرية من قبيلة بني عدي العربية، كانت لطيفة الطِباع، عُرف عنها التقوى والإحسان.

كما عرف عن أسرته مقاومتها للظلم وتعرض رجالها للسجن مرات ومرات، حيث نقل محمد عماره صاحب كتاب الأعمال الكاملة للشيخ محمد عبده عن محمد عبده قوله: "سعى واش بأهلي عند الحكام بحجة أنهم ممن يحمل السلاح ويقف في وجوه الحكام وأعوانهم عند تنفيذ المظالم، فأخذوا جميعاً، وزُجوا في السجون واحداً بعد الآخر، ومن دخل منهم السجن لا يخرج إلا ميتاً، وكان جدي "حسن" شيخاً بالبلدة وهو الذي بقي من رجال البيت مع ابن أخيه إبراهيم".

 

دراسة الفقيه الإسلامي محمد عبده

درس محمد عبده في طنطا في سن السابعة أي في عام 1856، وعندما أتم الثالثة عشرة من عمره أي في عام 1862 التحق بالجامع الأحمدي، وعندما تخرج منه درس في جامع الأزهر في سنة 1866 حيث تعلم: المنطق، الفلسفة، التصوف الإسلامي، كان أحد أساتذته الشيخ جمال الدين الأفغاني.

وفي عام 1877، تم منح عبده درجة العليم (المعلم)، حيث بدأ تدريس المنطق وعلم الكلام والأخلاق في الأزهر، وفي عام 1878، تم تعيينه أستاذاً في كلية دار العلوم التي أدرجت في وقت لاحق في جامعة القاهرة، ثم أصبح محمد عبده مدرساً للغة العربية في مدرسة الخديوية للغات.

 

دور الإمام محمد عبده في الحياة السياسية وثورة عرابي

نفي محمد عبده مع أستاذه جمال الدين الأفغاني إلى قريته في عام 1879، بسبب نشاطه السياسي المعادي للتدخل الأجنبي في مصر، وفي العام التالي أي في عام 1880 عين رئيس تحرير صحيفة المصري الوطنية، حيث استخدمها لنشر أفكاره المناهضة للاستعمار، والحاجة إلى إصلاحات اجتماعية ودينية.

اشترك محمد عبده في ثورة أحمد عرابي التي حصلت بين عامي 1879 - 1882 ضد الخديوي توفيق والتدخل الأجنبي في مصر، وبعد فشل الثورة حكم عليه بالسجن، حيث بقي مسجوناً لثلاثة أشهر، ثم نفاه الخديوي توفيق إلى بيروت لمدة ثلاث سنوات، سافر بعدها بدعوة من أستاذه جمال الدين الأفغاني إلى العاصمة الفرنسية باريس في عام 1884.

تأسيس صحيفة العروة الوثقى

أسس محمد عبده مع أستاذه جمال الدين صحيفة العروة الوثقى في العاصمة الفرنسية باريس في الثالث عشر من شهر آذار/مارس عام 1884، بهدف صون استقلال الشعوب الشرقية من عدوان الدول الغربية، والضغط على الحكومة البريطانية كي "ترجع عن أعمالها المثيرة لخواطر المسلمين"، صدر للمجلة ثمانية عشر عدداً، لكنها توقفت عن الصدور في عام 1885 بسبب مصادرة أعدادها من قبل السلطات في الدول العربية والأجنبية.

مؤسس جمعية العروة الوثقى

زار الشيخ محمد عبده بريطانيا، وبحث حالة مصر والسودان مع مسؤولين رفيعي المستوى، وفي عام 1885، بعد إقامة قصيرة في انكلترا وتونس عاد إلى بيروت، كمعلم في المدرسة السلطانية في عام 1886، وخلال إقامته هناك كرس جهوده لتعزيز الاحترام والصداقة بين الديانات السماوية الثالثة؛ الإسلام والمسيحية واليهودية.

كما أسس مع أستاذه جمال الدين الأفغاني جمعية سرية حملت اسم (العروة الوثقى)، وهي تنظيم ثوري سري هدفه النضال ضد الاستعمار بكل أشكاله، لاسيما الاستعمار البريطاني الذي احتل مصر في عام 1882، لكن الدولة العثمانية وقفت ضدها حيث طلب السلطان عبد الحميد الثاني من الحكومة البريطانية لتطلب من الشيخ محمد عبده مغادرة سوريا في أقرب وقت ممكن.

 

الحياة العملية للفقيه الإسلامي محمد عبده

عاد محمد عبده إلى مصر بعفو من الخديوي توفيق في عام 1899، شرط ألا يعمل في السياسة، ولم يسمح له الخديوي توفيق العودة للتدريس؛ خشية من أن يؤثر على عقول الشباب، حيث عين محمد عبده قاضياً بمحكمة بنها في عام 1889، ثم انتقل إلى محكمة الزقازيق ثم محكمة عابدين، وفي الخامس والعشرين من شهر حزيران/يونيو عام 1890 أصبح عضواً في مجلس شورى القوانين، ثم أصبح مستشاراً في محكمة الاستئناف عام 1891.

محمد عبده مفتياً للديار المصرية

عين الخديوي عباس حلمي الثاني محمد عبده مفتياً للديار المصرية بموجب مرسوم صدر في الثالث من حزيران/يونيو عام 1899، حيث كان سابقاً من يستلم منصب الإفتاء هو شيخ الجامع الأزهر، وبهذا المرسوم استقل منصب الإفتاء عن منصب مشيخة الجامع الأزهر، وصار الشيخ محمد عبده أول مفتي مستقل لمصر، حيث بقي في منصبه هذا مدة ست سنوات، حتى وفاته في عام 1905. كما أصبح محمد عبده عضواً في مجلس الأوقاف الأعلى في مصر، وفي عام 1900 أسس جمعية (إحياء العلوم العربية) لنشر المخطوطات، من أشهر فتاويه:

  • السماح للمسلمين بأخذ الفوائد والأرباح.
  • السماح للمسلمين الذين يعيشون في الدول غير الإسلامية بأكل لحوم الحيوانات المذبوحة من قبل غير المسلمين.
  • السماح للمسلمين بارتداء ملابس غير الزي التقليدي.

كان محمد عبده واحد من مؤسسي "جمعية الخيرية الإسلامية" التي تهدف إلى نشر التعليم بين الناس، وتقديم المساعدات المعنوية والمادية للطبقات الفقيرة، كما أسس "جمعية النهضة للكتب العربية"، لنشر روائع الكتاب الكلاسيكيين.

تأثير محمد عبده الثقافي

يُعدّ محمد عبده أحد دعاة الإصلاح في عصر النهضة العربية، تأثر به العديد من رواد النهضة مثل: عبد الحميد بن باديس، محمد رشيد رضا، عبد الرحمن الكواكبي، من تلامذته: محمد رشيد رضا، الشاعر حافظ إبراهيم، الشيخ عز الدين القسام، شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغي، شيخ الأزهر مصطفى عبد الرازق، شيخ العروبة محمد محيي الدين عبد الحميد، سعد زغلول، قاسم أمين، محمد لطفي جمعة، طه حسين.

رأي محمد عبده في التصوف

أورد محمد عماره صاحب كتاب (الأعمال الكاملة للشيخ محمد عبده) رأي محمد عبده في التصوف حيث قال: "أنه لا يوجد في أمة من الأمم من يضاهي الصوفية في علم الأخلاق وتربية النفوس، وبضعف هذه الطبقة فقدنا الدين"، ويضيف: "قد اشتبه على بعض الباحثين في تاريخ الإسلام وما حدث فيه من البدع، أن السبب في ذلك يعود للتصوف لكن الأمر ليس كما ظنوا...".

 

أبرز أفكار ومعتقدات الإمام محمد عبده

سافر الشيخ محمد عبده كثيراً، والتقى مع العلماء الأوروبيين في كامبريدج وجامعة أكسفورد البريطانيتين، كما درس القانون الفرنسي، وقرأ عدداً كبيراً من الأعمال الأوروبية والعربية في مكتبات فيينا وبرلين، حيث توصل إلى نتيجة أن المسلمين يعانون من الجهل حول دينهم واستبداد الحكام الظالم، وقال مقولته الشهيرة: "ذهبت إلى الغرب ورأيت الإسلام، ولكن لم أجد مسلمين... عدت إلى الشرق ورأيت المسلمين، ولكن لم أجد إسلاماً"، ومن أهم أفكاره:

  • دعا الآباء إلى الامتناع عن إرسال أبنائهم إلى المدارس التي أنشأها المبشرون.
  • دعا لإدخال العلوم الحديثة إلى المنهاج التعليمي في الجامع الأزهر.
  • الإسلام هو الدين الوحيد الذي يمكن إثباته عن طريق المنطق والعقائد.
  • الإسلام كرّس استقلال الإرادة واستقلال الفكر والرأي، وبهاتين الأداتين يستطيع الإنسان تحقيق السعادة.
  • سبب نمو الحضارة الغربية في أوروبا، على أساس استقلال الإرادة والفكر والرأي.
  • وقف ضد تعدد الزوجات.
  • طالب بإلغاء احتكار عالم دين للتأويل، كما طالب بإلغاء التمييز العنصري والإكراه الديني.
 

للشيخ محمد عبده العديد من المؤلفات

  1. رسالة التوحيد، صدر في عام 1897.
  2. تحقيق وشرح "البصائر القصيرية للطوسي".
  3. تحقيق وشرح "دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة" للجرجاني.
  4. الرد على هانوتو الفرنسي.
  5. الإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية، صدر في عام 1902.
  6. تقرير إصلاح المحاكم الشرعية سنة 1899م.
  7. شرح نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب.
  8. شرح مقامات بديع الزمان الهمذاني.
 

أقوال عالم الدين محمد عبده

للشيخ محمد عبده العديد من الأقوال التي نرددها لكننا قد لا نعرف أنها تعود له، من هذه الأقوال:

  • الباطل لا يصبح حقاً بمرور الزمن.
  • بقاء الباطل بغفلة الحق عنه، (أي لا يبقى الباطل إلا إذا غفل الحق عنه).
  • الحق حليم والباطل سفيه.
  • من لا يذوق لذة العمل الاختياري لا يذوق لذة الراحة الحقيقية، لأن الله تعالى لا يضع الراحة بغير عمل.
  • إن الله عالم بكل شيء ولا يتقرب إلى الله بشيء كالعلم.
  • الفكر إنما يكون فكراً له وجود صحيح؛ إذا كان مطلقاً مستقلاً.
  • إن الذليل للحق عزيز.
  • الاتحاد ثمرة لشجرة ذات فروع وأوراق وجذوع وجذور، هي الأخلاق الفاضلة بمراتبها.
  • العلم ما يعرفك من أنت ممن معك.
  • العدل للإسعاد، كلمة الله للإيجاد.
  • العفة ثوب تمزقه الفاقة.
  • أشد أعوانك؛ الحاجة إليك.
  • جحود الحق مع العلم به؛ كاليقين في العلم كلاهما قليل في الناس.
  • ما دخلت السياسة في شيء إلا أفسدته.
  • الذل يميت الإرادة.
  • من لا صديق له فهو عدو نفسه وعدو الناس.
 

وفاة عالم الدين محمد عبده

توفي الشيخ محمد عبده إثر إصابته بمرض السرطان في مدينة الإسكندرية في الحادي عشر من شهر تموز/يوليو عام 1905، عن عمر يناهز ست وخمسين سنة، ودفن في القاهرة، ورثاه العديد من الشعراء منهم:

  • أمير الشعراء أحمد شوقي، الذي كتب في رثائه يقول:

مفسـر آي الله بـالأمـس بيـننا .. قـم اليـوم فسـر للـورى آية الموت

رُحِـمت، مـصير العالمين كما ترى .. وكـلُّ هنـاء أو عـزاء إلي فــوت

هو الدهـر: ميلاد، فشغلٌ، فمأتمٌ .. فذكرٌ كما أبقي الصدي ذاهب الصوت

  • شاعر النيل حافظ إبراهيم، كتب في رثاء الشيخ محمد عبده يقول:

سـلامٌ عـلى الإسـلام بعـد محمد .. سـلام علـي أيـامه النضـرات

على الدين والدنيا، علي العلم والحجا .. على البر والتقوى، على الحسنات

لقد كنت أخشى عادي المـوت قبله .. فأصبحت أخشى أن تطول حياتي

أبرز الكتب التي تحدثت عن أعمال الإمام محمد عبده

ظهرت العديد من الكتب التي تتحدث عن أعمال محمد عبده، منها:

  1. الأعمال الكاملة للشيخ محمد عبده (في خمسة أجزاء)، تأليف: الدكتور محمد عمارة، نشر: دار الشروق.
  2. سلسلة الأعمال المجهولة: محمد عبده، تأليف: الدكتور علي شلش، نشر: دار رياض الريس.
  3. ديوان الإمام محمد عبده، تأليف: الأستاذ ماجد صلاح الدين، نشر: دار الفكر الإسلامي.

في الختام.. شكل الشيخ محمد عبده مثالاً لرجل الدين المنفتح على الثقافات الأخرى، دعا للإخوة بين الأديان السماوية، دعا لمواكبة التطور في الحضارة الغربية، لكن في نفس الوقت التمسك بالدين الإسلامي والابتعاد عن التطرف، فكان بحق فقيه وعالم إسلامي مهم.

القيادي الآن على واتس آب! تابعونا لكل أخبار الأعمال والرياضة